الخطبة التي القاها الشيخ إبراهيم صالح الحسني حول فضل شهر محرم وصوم يوم عاشوراء

الحمدلله رب العالمين، حمدا يقترن بحكم الله البالغة ويحيط بنعمه السابغة، ويخص نعمته علينا بالإيمان والإسلام فإنها أعظم نعمة، ونشكره تبارك وتعالى على أن جعلنا من امة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم التي هي خير أمة، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له في ذاته وصفاته شهادة مبرأة من الشرك والشك والتأثيم، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله المنعوت بجميع المحامد والخلق العظيم، المخصوص بكمال القرب والتقديم، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد الهادي إلى الصراط المستقيم وعلى آله اهل الرضى والتسليم 
(أما بعد)
أيها الإخوة ان شهر محرم جعل الله تبارك تعالى فيه حكمة، وهذه الحكمة تتجلى واضحة في قول الله {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} هذه الأشهر الحرم، منها شهر محرم، وشهر رجب، وشهر ذو العقدة، وشهر ذوا الحجة، هذه المحرمات يجب على الإنسان أن يبتعد عن كل ما حرمه الله كل الإبتعاد في هذه الشهور، ولكن القصد مثل قول الله تبارك وتعالى {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولافسوق ولا جدال في الحج} المراد أن المؤمن الكامل الإيمان يجب عليه ان يبتعد عن هذه الأشياء في الحج، وفي غير الحج، كذلك يجب عليك أن تبتعد عن المحرمات والمنهيات في الأشهر الحرم وفي غير الأشهر الحرم يجب عليك ان تبتعد عن ما نهيت عنه في هذه الأشهر، ذلك لأنه كل ما عظُمت النعمة في مكان أو زمان فإن العقوبة أيضا تبعا لذلك، تعظم في ذلك الزمان اوفي ذلك المكان، لذلك يقول الله تبارك وتعالى فيما ارتكب ذنبا أو فكر فيه في الأرض الحرام في مكة، مثلا في الحرم {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} كل التكاليف تتعلق بالفعل لا بالإرادة، الله تبارك وتعالى لايحاسب الإنسان على ما عُرض عليه من النيات. بل أحيانا يُكتب عليه إذا خطر بباله سوءاً، ثم تركه تكتب له حسنة، لكن في مكة الأمر يختلف، ومن يرد فيه أي في الحرم بإلحاد بظلم أي أراد فيه إلحادا بأن يظلم نفسه، أو غيره أن يظلم نفسه بارتكاب المعاصي والمحرمات أو غيره، بأن يظلمه او يعتدي عليه إلى غير ذلك، أوأن يضع حق الله في غير محله بالشرك مثلا مجرد إرادة هذا، يكتب بالحرم ذنبا يوجب دخول النار {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب اليوم} معنى {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} أي لا تفكروا في السوء فيها وإن كان السوء ممنوعا المسلم منه في الأشهر الحرم وفي غير الحرم، لكنك في الأشهر الحرم يجب عليك أن تبتعد عن مجرد ومطلق التفكير في المعصية، أو في المخالفة، هذا هو الفرق بين هذه الأشهر الحرم والشهر الاخرى التي هي تحرم فيها المعصية، ولكنها لسيت أشهرا حرما، هذا الشهر عندما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة وجد اليهود يصومون يوما منه يصومون اليوم العاشر من شهر محرم فسألهم فقال لهم: لم تصومون هذا اليوم؟ قالوا نصومه لأنه اليوم الذي نصر الله فيه موسى على فرعون، فقال لهم: أنا أولى بموسى عليه السلام، نحن أولى بموسى منكم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيامه، فإذا كان فرعون يُعادى، فنحن أولى بعداوته منكم، وإذا كان يكره فنحن أولى بكراهته.
ولكن قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما قلناه أنه قال نحن أولى بموسى منكم أي موسى نبي مرسل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبي مرسل، وهذه الأمة هي خير أمة أخرجت للناس إتبعت خير المرسلين، فهي أولى بموسى من اليهود الذين حرفوا وبدلوا فإذا كان اليهود مع ماهُم فيه من المخالفات والتقصير، يصومون هذا اليوم شكراً لله على نصرته لعباده المؤمنين، فنحن أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أولى بصيام هذا اليوم منهم، فأمر بصيام يوم عاشوراء، أمر أبا هريرة رضي الله عنه أن يؤذِّن أي أن يعلن في المدينة وينادي بأعلى صوته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام هذا اليوم فصوموا فصاموا". من هنا وجد بعض الفقهاء أن من صام نصف اليوم أدركه يوم عاشوراء، وهو ناسي فصام، يقول علي الأُجهوري أنه يكتب له صيامُ يوم كامل، لأنّ في ذلك اليوم الأول صام بعض الناس من غير تبييت النية، وهذا طبعاً شىء مثتثنى ولكن الصيام عادة في الإسلام لايصح الا بتبييت النية، لاصوم إلا لمن بيت النية بالليل قبل طلوع الفجر، ينوي أنه يصوم عاشوراء فيصومه، بعد مُضي الوقت، رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمة الإسلام أمة مستقلة، لاتكون أبدا تابعة لغيرها لا في العادات، ولا في العبادات، ولا في الأحكام الشرعية، ولذلك قال لوأدركت عاما قابلا لصمت التاسع والعاشر مخالفة لليهود، فصيام عاشوراء يكفر ذنب سنة ويغفر الله تبارك وتعالى به ذنب سنة، ولذلك يهتم السلف الصالح بصيام هذه الأيام التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم تاسعاء، تمني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه ولكنه لم يصمه، فمن شاء صام. ومثل قوله في الحج: "لواستقبلت من أمر مكة لجعلتها حجة في عمرة" أي لجعلها تمتع ولكنه حج قارنا وفي بعض الروايات أنه حج مفردا ولكنه الصحيح بالأدلة أنه حج قارنا صلوات الله وسلامه عليه، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخالف المسلمون اليهود في هذا الصيام، فيصوموا التاسع والعاشرة لتحصل لهم الإستقلالية، ويحصل لهم أيضا الثواب، وثواب الشكر لله تبارك وتعالى على نصرته لموسى عليه السلام، وأمته من المستقيمين في ذلك الوقت، يوم عاشوراء تحدث فيه أشياء كثيرة في البلدان الشيعية، يحتفلون فيه بأشياء أخرى من العنف وإسالة الدماء، وضرب الخدود، ولطْمِها، وشق الجيوب، لماذا ؟ لأنه اليوم الذي قتل فيه سيدنا الحسين رضي الله عنه، فهم يعملونه ذِكرى يحتفلون، في ذلك اليوم بالحزن والأسى، وإظهار الولاء لسيدنا علي وأبنائه، هذه سنة الشيعة، أما أهل السنة فيكفيهم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي قال فيه: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أوسع على عياله وأهله في يوم عاشوراء، أوسع الله عليه في سائر سنته". هذا الحديث أخرجه الإمام البيهقي وذكر أنه له طرقا كثيرة يشد بعضها بعضاً فيجزئ في العمل في مثل هذه الأمور، أي في الترغيب أو في الفضائل، فيجب على المسلم أن يحرص عليه ويعمله، بعض الناس يقولون أن أهل السنة يفعلون هذا فرحاً بموت الحسين، أعوذ بالله! لايقول مسلم هذا الكلام، فإن الحزن على الحسين وعلى موته وبغض وكراهية أولئك الذين تولوا كبر هذا الفعل الشنيع بسبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته ليس، لايكفي فيه أن تحزن، لا يكفي فيها أن تلطم أو تشق الخد، وإنما هو عقيدة ترسخ في النفس تجعلك أكثر ولاءً لسيدنا الحسين، فسيدنا الحسين صحيح أنه تعرض لعذاب ولكن الأحكام الشرعية لاتترتب بحسب ما يراه الإنسان، وإنما تترتب بحسب ما يشرعه الحق تبارك وتعالى، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصوم الناس على وجه الفضيلة، أمرهم بصيامه وأمرهم بالتوسعة فيه، فهذه شعيرة.
أما الحزن من أجل الحسين فقد ملأ قلوب أهل السنة ويكفي شاهداً على هذا أنه متفق على لعن من كان سببا في قتل سيدنا لحسين، المسلمون لا يلعنون حيا يمنعون أن تلعن إنسانا أودابة أو شجرة أو شيئا، لايقِرون هذا، ولكنهم رضوا بأن تلعن من كان هو السبب في قتل الحسين من هذا ؟ هو يزيد ابن معاوية ملعون على لسان الصالحين أهل السنة هم يلعنونه، قال ذلك الإمام الغزالي وقال ذلك غيره من أهل السنة، فليس من أهل السنة أحد، ليس فيهم أحد يفرح بموت سيدنا الحسين أو بقتل سيدنا الحسين، وهذا مثل ما جاء في المولد، بعضهم يقولون أن الإحتفال بالمولد لا يجوز، لكن المولد الذي يحتفل فيه، هو اليوم الذي مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "حياتي خير لكم وموتي خيرلكم تعرض علي أعمالكم فإن رأيت خيرا حمدت الله وشكرته، وإن رأيت شراً إستغفرت لكم" حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس هي التي يحزن لها لأنها رحلة من مكان إلى مكان، فقد أراح الله تبارك وتعالى رسوله من تعب هذه الدنيا لأن نقله عنده في الرفيق الأعلى، فهو في أعلى عليين مع الله تباك وتعالى، تخدمه الملائكة وتتردد عليه الملائكة، من هنا ليس هو الحزن الذي تعبدنا به، وإنما تعبدنا الله بما قال فيه {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا} لا فضل أكثر من فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا وميتا، ولا أعلى وأعظم بالنسبة للإنسان المؤمن من هذه الخيرية التي أولانا الله تبارك وتعالى بها، بإيماننا برسول الله صلى الله عليه وسلم. 
أيها الإخوة إن الله تبارك وتعالى أمركم بأمر بدا فيه بنفسه وثني فيه بملائكته المسبح بقدسه وثلث بكم بكم أيها المؤمنون من جنه وإنسه فقال جل من قائل عليما {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا) اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد صاحب الحوض المورود المقام في المقام المحمود وعلى آله ذوي الفضل الجلي وأصحابه ذوي القدر العلي أبي بكر وعمر وعمثان وعلي، وأرضى اللهم عن أصحابه نبيك أجمعين وعن التابعين وتابع التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا ارحم الراحمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين واذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وبدل شمل المحرفين والمبدلين من طوائف المبتدعة أجمعين، اللهم اجعل هذا البلد آمنار خاءا سخاء وسار بلاد المسلمين، رضاك برحمتك يا أرحم الرحمين، اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا واجعل اللهم ولايتنا في من خافك اتقاك واتبع رضاك برحمتك ياأرحم الراحمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم نور على هل القبور قبورهم واغفر للأحياء ويسر لهم أمورهم، اللهم تب على التائبين واغفر ذنوب المذنبين واقض الدين عن المدينين واشف مرض المسلمين واكتب الصحة والعافية والسلامة والتوفيق والهداية لنا ولسائر المسلمين في برك وبحرك أجمعين، اللهم انصر المسلمين في كل مكان اللهم أعل درجة الإسلام اللهم احمي المسلمين مما يريدهم به عدوهم اللهم اكبد الأعداء اللهم دمر بهم ودمرهم ودمر بهم بلادهم واغلب عليهم البلاد والعباد يا رب العالمين ويا ارحم الراحمين اللهم ادفع عنا البلا والوبا الزنا والربا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العلمين {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} عباد الله. {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون}.
واقم الصلاة

ليست هناك تعليقات

جميع الحقوق محفوظة لــ موقع المديح النبوي 2015 ©